المراد بنجد في هذه الأحاديث – والله أعلم - نجد العراق وذلك لمايلي:
1- روى مسلم في كتاب الفتن، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان(7297)من طريق ابن فضيل عن أبيه قال سمعت سالم بن عبدالله بن عمر يقول :ياأهل العراق ماأسألكم عن الصغيرة ،وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عزوجل له (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا).
فقول سالم بن عبدالله بن عمر ياأهل العراق ماأسألكم عن الصغيرة ،وأركبكم للكبيرة ثم قوله بعد ذلك سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان .يدل على أنه رحمه الله يرى أن قرن الشيطان يخرج من العراق وهو من رواة الحديث وهو أعلم بما روى من غيره.
2- ما أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/746) ،وأبونعيم في الحلية (6/133) ،وابن عساكر في تاريخ دمشق (1/120) من طرق عن توبة العنبري عن سالم بن عبدالله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن دعا فقال (اللهم بارك لنا في مكتنا ،اللهم بارك لنا في مدينتنا ،اللهم بارك لنا في شامنا ،وبارك لنا في صاعنا ،وبارك لنا في مدينتنا.فقال رجل :يارسول الله وفي عراقنا فأعرض عنه ،فرددها ثلاثاً كل ذلك يقول الرجل :وفي عراقنا ،فيعرض عنه ،فقال: بها الزلازل والفتن ،وفيها يطلع قرن الشيطان)
وتوبة العنبري البصري أبو المورع من رجال البخاري ومسلم وثقه أبوحاتم وابن معين كما في الجرح والتعديل (2/446) قال الحافظ ابن حجر عنه في التقريب (183) (ثقة ، أخطأ الأزدي إذ ضعفه) .
ولم ينفرد برواية هذا الحديث بل تابعه عليه زياد بن بيان الرقي قال ثنا سالم به. كما عند الطبراني في الأوسط (1/246)،والربعي في فضائل الشام ودمشق
(24)،وابن عساكر في تاريخ دمشق(1/121) ،وأورده الهيثمي في المجمع (3/305)وقال:(رواه الطبراني في الأوسط ،ورجاله ثقات).قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة(5/302) عن الإسناد الأول:صحيح على شرط الشيخين ،وعن الإسناد الآخر:جيد.
3- مارواه أحمد في المسند ((6302) الرسالة)من طريق ابن نمير عن حنظلة بن أبى سفيان المكي عن سالم عن ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق ها إن الفتنة هاهنا إن الفتنة هاهنا ثلاث مرات من حيث يطلع قرن الشيطان ).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في فضائل الشام ودمشق (24)(إسناده صحيح على شرط مسلم).
فقول ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق مفسر للرويات الأخرى التي فيها الإشارة نحو المشرق لذا قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله في إتحاف الجماعة (1/140)(وفي هذه الرواية فائدة جليلة وهى البيان بأن منشأ الفتن من جهة العراق لا من جهة نجد التي هى أرض العرب ففيها رد على من زعم من الزنادقة أن المراد بذلك أرض العرب).
4- نص جمع من الحفاظ وشراح الحديث على أن المراد بنجد في الحديث هى نجد العراق كالخطابي والكرماني وابن عبدالبر وأبو العباس ابن تيمية وابن حجر وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين:
1- قال ابن حجر في الفتح (13/47)،والعيني في عمدة القاري (24/200) قال الخطابي : (نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة ، وأصل نجد ماأرتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة).
2- قال ابن عبد البر في التمهيد : (1/279 ) (وبها يطلع قرن الشيطان قال أبو عمر دعاؤه صلى الله عليه وسلم للشام يعني لأهلها كتوقيته لأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم علما منه بأن الشام سينتقل إليها الإسلام وكذلك وقت لأهل نجد قرنا يعني علما منه بأن العراق ستكون كذلك وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم) أ. هـ.
وقال أيضا:(017/12): (في هذا الحديث علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت وبها كانت نحو الجمل وصفين وقتل الحسين وغير ذلك مما المطلوب ذكره مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم )
3- قال الكرماني كما في الفتح (13/47) : (ومن كان بالمدينة الطيبة صلى الله على ساكنها وسلم كان نجده بادية العراق وهي مشرق أهلها)
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مجموع الفتاوى ( 20/316)( ومعلوم أنه كان بالكوفة من الفتنة والتفرق ما دل عليه النص والإجماع, لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الفتنة من ههنا الفتنة من ههنا , الفتنة من ههنا , من حديث يطلع قرن الشيطان, وهذا الحديث قد ثبت عنه في الصحيح من غير وجه) .قال الحافظ ابن حجر في الفتح عن الفتن (13/16)(وأول مانشأ ذلك من العراق من جهة المشرق).وقال أيضاً في الفتح (13/51) (وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة)
6- قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله في إتحاف الجماعة بماجاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (1/140)باب ابتداء ظهور الفتن من العراق وكثرتها فيه وفيما يليه من المشرق.
7- قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة(5/305) (بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد نجد المعروفة اليوم بهذا الاسم،وجهلوا أو تجهلوا أنها ليست هى المقصودة بهذا الحديث وإنما هى العراق كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديما كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم).
وقال رحمه الله في فضائل الشام(26)(فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من (نجد)في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الإسم وبذلك فسره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني وتجد كلامهما في ذلك في شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري للحافظ وتحقق ماأنبأبه عليه السلام فإن كثيرا من الفتن الكبرى كان مصدرها من العراق كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته)
واعلم أخي القاريء الكريم أن ذلك ليس فيه مذمة لأهل العراق ، كما أن الأرض إذا كانت مقدسة فليس في ذلك مدحاً لأهلها ،فكون العبد من أهل بلد مذموم لايلزم من ذلك أن يكون مذموماً في نفسه إذا كان صالحاً مصلحاً.في موطأ الإمام مالك (2/589)،والحلية (1/205)،وتاريخ دمشق (21/441) من طريق يحيى بن سعيد قال كتب أبو الدرداء رضى الله عنه وهو في الشام إلى سلمان الفارسي رضى الله عنه(أن هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان إن الأرض لاتقدس أحداً،وإنما يقدس الإنسان عمله).وإسناده منقطع يحيى بن سعيد لم يدرك أبا الدرداء ، ورواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة(1718)،وابن عساكر في تاريخ دمشق (1/150) من طريق يحيى بن سعيد عن عبدالله بن هبيرة النصري قال كتب أبو الدرداء رضى الله عنه.. الحديث
(لاتقدس أحدا) لاتطهره من ذنوبه ولاترفعه إلى أعلى الدرجات.والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الداعية بوزارة الشئون الإسلامية
سعد بن ضيدان السبيعي
من موقع / صيد الفوائد