قال الله تعالى { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا {32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا {33} وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا {34} }
وعن أم المؤمنين عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال:
{إنما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً }.
1- آية التطهير إنما نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تبارك وتعالى { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إنّ الله كان لطيفاً خبيراً} فالذي يراعي سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، بل من يدقق في الآيات سيجد بنفسه أنّ قوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً } آية واحدة والخطاب فيها كما هو واضح موجه لنساء النبي.
و لعل هذا يدعونا إلى التساؤل: إذا كان الأمر كذلك فلم لم يعبّر عنهن بنون النسوة بدلاً من (ميم) الجماعة؟ غير أنّ ما يمكن أن يقوله المرء هنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو رأس أهل بيته وهو داخل بلا شك في الآية مع نساءه كما قال تعالى في إبراهيم عليه السلام { أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } مع أنّ الخطاب لإمرأة إبراهيم عليه السلام ولكنه لما دخل إبراهيم عليه السلام وزوجته في مسمى أهل البيت عبّر عنهم جميعاً بـ ( ميم ) الجماعة في قوله تعالى { رحمة الله وبركاته عليكم } تغليباً ، بل إنّ إطلاق تسمية ( أهل ) على الزوجة وارد في قوله تعالى عن موسى عليه السلام { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } مع أنه لم يكن مع موسى عليه سوى زوجته ، فما العجب في أن تعني الآية نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتستخدم في حقهن (ميم ) الجماعة؟!!
2- مما يؤكد أنّ الآية لم تنزل في أصحاب الكساء رضوان الله تعالى عليهم بل في نساء النبي خاصة حديث الكساء نفسه ، ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الكساء دعا لأصحاب الكساء بأن يذهب الله عنهم الرجس بقوله ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس ) فإذا كانت الآية نزلت فيهم وقد أخبر الله فيها بإذهاب الرجس فما الداعي لدعاء كهذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!! وإنما أراد رسول الله من دعاءه هذا أن يضم الله عز وجل أصحاب الكساء وهم من أهل بيته بلا ريب إلى نساءه اللاتي نزلت فيهن الآية في المعنى الذي تضمنته الآية وهو إرادة التطهير ورفع الرجس.
إنّ أهل السنة يقولون بأنّ الله عز وجل أذهب الرجس عن أصحاب الكساء لحديث الكساء لا لورود آية التطهير التي إن جاز الاستدلال بها على أحد فعلى أمهات المؤمنين اللاتي هن نساء النبي صلوات الله عليه وأهل بيته.
3- معنى أهل البيت يتعدى نساء النبي صلوات الله عليه ويتعدى الإمام علي والسيدة فاطمة وإلامامين الحسن والحسين إلى غيرهم كما في حديث زيد بن الأرقم الذي سئل فيه ( نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته الذين حُرموا الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس ) فمفهوم أهل البيت يتضمن أيضاً آل عباس وابن عبد المطلب وآل عقيل بن أبي طالب وآل جعفر بن أبي طالب بدليل حديث زيد بن الأرقم، ويدخل في مسمى أهل البيت أيضاً آل الحارث بن عبد المطلب لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب ( إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس )
4- الاستدلال بالآية على عصمة أصحاب الكساء لا يخلو من العجب لأمر بديهي يعرفه كل أحد وهو أنّ حديث الكساء يذكر السيدة فاطمة رضوان الله عليها كأحد الأطراف الذين نزلت فيهم الآية ، والإمامية يقولون بأنّ الله عز وجل أضفى على الأئمة صفة العصمة لاحتياج المهمة المناطة بهم لذلك وهي إمامة الناس وتحكيم شرع الله ، والسؤال : إذا كان الأمر كذلك فهل السيدة فاطمة نبية أو من الأئمة لكي تُضفى عليها صفة العصمة؟!! وما الغاية التي لأجلها أُضفيت عليه العصمة؟ هل كل من يحبه الله أو كل من له مقام عنده الله يُعطى العصمة ؟!!
إنّ الله عز وجل لمّا أضفى صفة العصمة على الأنبياء أضفاها عليهم لأنهم مبلغو الوحي وأمن الرسالة السماوية، و لو أننا قبلنا عصمة الأئمة دون أن نناقشها، فإنّ ما لا يمكن تقبله لا عقلاً ولا شرعاً أن يتصف بالعصمة من ليس بنبي و لا حتى إمام!!
5- لمّا كانت الآية نازلة في نساء النبي ( أمهات المؤمنين ) و في إرادة تطهيرهن، جمع النبي عليه الصلاة أصحاب الكساء وهم من خواص أهل البيت ، ليدعو لهم بأن ينالهم التطهير الذي نال أمهات المؤمنين قائلاً (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) طالباً من الله عز وجل أن ينالهم هذا الفضل وهو بلا شك أهل له ، فحرصت أم سلمة بعد أن رأت رسول الله قد جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين أن تكون معهم وتنال بركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وكان ذلك قبل أن يدعو النبي عليه الصلاة وأن يقرأ الآية موضحاً سبب طلبه لهم ، فقالت أم سلمة ( وأنا معهم يا رسول الله ) ، قال : ( إنك على خير ) و في رواية أخرى قال ( إنك الى خير أنت من أزواج النبي ) إذ لا حاجة لأم سلمة في أن يدعو لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يُذهب الله عنها الرجس طالما أن الآية نزلت فيها وفي باقي نساء النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا من أبرز الدلائل على كون الآية نازلة فيها لا في أصحاب الكساء الذي حرص النبي عليه الصلاة والسلام على الدعاء لهم ولو كانت الآية نازلة فيهم لما جمعهم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال ما قال. نذكر أن الآية لم تنزل في بيت ام سلمة بل نزلت في بيت عائشة (انظر الى الرواية المروية عن عائشة في مسلم وهي التي يستدل بها الشيعة)، ثم بعد نزولها و في فترة لاحقة جاء الرسول الى بيت ام سلمة ثم دعا علي و فاطمة و الحسن و الحسين و غطاهم بالكساء و دعا لهم.
6- قوله تعالى{ ويطهركم تطهيراً } ليس فيه إخبار بذهاب الرجس بل فيه أمر لمن نزلت فيهم الآية بالتزام طاعته لكي يحصل لهن التطهير ، لأنّ الله عز وجل يريد تطهيرهن ، وسياق الكلام الموجه لنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه كان يتضمن توجيهاً إلهياً إليهن بفعل أمور واجتناب أخرى وبين الله عز وجل أنه يريد منهن التزام هذه التوجيهات ليذهب عنهم الرجس بمقتضى أمره لهم ، وبامتثالهم لأمر الله وحفظه لوصاياه يحصل التطهير ، وهذا النمط من الخطاب استخدم الله عز وجل في آخرين كما في قوله تعالى للمؤمنين { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } وقوله تعالى { يريد الله ليبين لكم ويهديكم } وقوله تعالى { يريد الله أن يخفف عنكم } فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا لا أنها حصلت فعلاً ، ولو كان الأمر كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته ، وأبسط مثال يوضح ذلك هو أنّ الله عز وجل يريد على سبيل المثال للبشر كلهم أن يدخلوا الجنة وهذه الإرادة هي إرادة محبة ، وهناك إرادة له سبحانه كونية قدرية في هذا الشأن وهي أنه سيكون من البشر مؤمن وكافر وأنّ ما كل البشر سيدخل الجنة ، لأنّ الله سبحانه وتعالى العادل أعطى البشر الحرية في عمل الخير والشر لكي يحصل العدل بمجازاته ، ولو كان الإنسان مجبوراً على الخير فقط لما كان من العدل مجازاته أصلاً لأنه لو أراد الشر ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإرادة الله إدخال البشر كلهم إرادة محبة ولكنه ما من الواجب تحققها لأنّ الله نفسه لم يوجب حدوثها.
7- إنّ مضمون حديث الكساء أنّ النبي صلى الله عليه وآله دعا لهم بأن يُذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً ، وغاية ذلك أنّ يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين ، فإنّ الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط ، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير.
يقول الله تعالى { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } ويقول { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال تعالى { إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } ، فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين كذلك ، فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للمؤمنين الذين نصت الآيات على إرادة الله عز وجل تطهيرهم.
8- التطهير الوارد في الآية لا يعني العصمة بل التنزه عن الفواحش وهو استخدام شائع في القرآن الكريم كما قال تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها } وما من أحد يقول بأنها قصدت بالتطهير هنا العصمة بل التنزه من الفواحش ، وكذلك في قوله تعالى { و ثيابك فطهّر} وغيرها من الآيات ، وبالجملة لفظ ( الرجس ) أصله ( القذر )، يُطلق و يُراد به الشرك كما في قوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } ، ويُطلق ويُراد به الخبائث المحرّمة كالمطعومات والمشروبات كقوله تعالى { قل لا أجد فيما أُوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسق } وقوله { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } ولم يثبت أن استخدم القرآن لفظ ( الرجس ) بمعنى مطلق الذنب بحيث يكون في إذهاب الرجس عن أحد إثبات لعصمته.
9- مما يؤكد أنّ الآية لا تنص على وقوع التطهير بل على إرادة التطهير وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرص على أن يلحق أصحاب الكساء ما لحق زوجاته أمهات المؤمنين اللاتي نزلت فيهن الآية وفي إرادة تطهيرهن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه كان إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب علي وفاطمة ويقول: الصلاة يا أهل البيت { إنما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيراً } مذكّراً إياهم بالآية وحاضاً علياً على الخروج لصلاة الجماعة ، إذ بالمحافظة على الفرائض وبطاعة الله يحصل التطهير.
10- على فرض أنّ الآية نزلت في أصحاب الكساء لا في نساء النبي عليه الصلاة والسلام ، فإنّ التطهير الذي جاءت به الآية واقع لغيرهم أيضاً بنص القرآن كما قال تعالى عن المؤمنين { ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } وغيرها من الآيات ، ولو كان في معنى إرادة التطهير معنى العصمة لوجب القول بعصمة جميع المؤمنين لنص الآية على إرادة الله تطهيرهم ، وهذا ما لا يقوله لا السنة والشيعة ، فكيف تطبق نظرية التطهير على أناس دون آخرين؟!! أليس في المسألة نوع من المزاجية وليس المنهجية العلمية.
و العجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة بل هم بالمقابل يقدحون فيهم ويقولون بانقلابهم على أعقابهم مع أنّ الله عز وجل نص على إرادة تطهريهم بنص الآية ، مفارقات عجيبة يُحار فيها العقل ولا تجد لها إلا إجابة واحدة ، إنه التعصب وما يفعله في أصحابه.
11- إذهاب الرجس لا يدل على معنى الإمامة ، ونحن بصدد البحث عن دليل على الإمامة ، فإن قيل بأنّ من مستلزمات الإمامة العصمة وأنّ من كان معصوماً وجبت إمامته ، قيل : وماذا تقول في السيدة فاطمة الزهراء التي هي أحد أصحاب الكساء؟ أتستطيع تطبيق نفس المبدأ عليها وبالتالي القول بأنها أحد الأئمة؟!! فإن قال: لا، قيل: قال الله تعالى { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } فإما أن تطبق ما تدّعية مائة بالمائة أو تقر ببطلانه ، لكن التشبت بالدليل بما يوافق الهوى و طرح ما يخالفه ما هو في الحقيقة إلا تلاعب بالقرآن الكريم ، و ما أرى من يسلك هذا الطريق يطلب الحق و هو يدّعي ما يدّعيه و يجره التعصب إلى الإصرار على الخطأ في فهم كتاب الله .