من ال البيت الفقير الى الله
عدد المساهمات : 636 تاريخ التسجيل : 30/03/2009
| موضوع: شبهة تزويج ام حبيبة بعد الهجرة الخميس ديسمبر 24, 2009 6:18 am | |
| قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في حاشيته على (مختصر سنن أبي داود للمنذري) ( هذا هو المعروف المعلوم عند أهل العلم أن الذي زوج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم هو النجاشي في أرض الحبشة وأمهرها من عنده وزوجها الأول التي كانت معه في الحبشة هو عبيد الله بن جحش بن رئاب أخو زينب بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصر بأرض الحبشة ومات بها نصرانيا فتزوج امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي اسمها قولان أحدهما رملة وهو الأشهر والثاني هند وتزويج النجاشي لها حقيقة فإنه كان مسلما وهو أمير البلد وسلطانه وقد تأوله بعض المتكلفين على أنه ساق المهر من عنده فأضيف التزويج إليه وتأوله بعضهم على أنه كان هو الخاطب والذي ولي العقد عثمان بن عفان وقيل عمرو بن أمية الضمري والصحيح أن عمرو بن أمية كان وكيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بعث به النجاشي يزوجه إياها وقيل الذي ولي العقد عليها خالد بن سعيد بن العاص ابن عم أبيها
وقد روى مسلم في الصحيح من حديث عكرمة بن عمار عن ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يانبي الله ثلاث أعطيتهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجملها أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتأمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم
وقد رد هذا الحديث جماعة من الحفاظ وعدوه من الأغلاط في كتاب مسلم قال ابن حزم( هذا حديث موضوع) لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار فإنه لم يختلف في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الفتح بدهر وأبوها كافر وقال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الكشف له هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راويه. وقد ضعف أحاديثه يحيى بن سعيد الأنصاري وقال ليست بصحاح وكذلك قال أحمد بن حنبل هي أحاديث ضعاف وكذلك لم يخرج عنه البخاري إنما أخرج عنه مسلم لقول يحيى بن معين ثقة ((قال وإنما قلنا إن هذا وهم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على دينها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم وذلك سنة سبع من الهجرة وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فنحت بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يجلس عليه ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان ولا يعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان وقد تكلف أقوام تأويلات فاسدة لتصحيح الحديث كقول بعضهم إنه سأله تجديد النكاح عليها وقول بعضهم إنه ظن أن النكاح بغير إذنه وتزويجه غير تام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إياها نكاحا تاما فسلم له النبي صلى الله عليه وسلم حاله وطيب قلبه بإجابته وقول بعضهم إنه ظن أن التخيير كان طلاقا فسأل رجعتها وابتداء النكاح عليها وقول بعضهم إنه استشعر كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لها وأراد بلفظ التزويج استدامة نكاحها لا ابتداءه وقول بعضهم يحتمل أن يكون وقع طلاق فسأل تجديد النكاح وقول بعضهم يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك قبل إسلامه كالمشترط له في إسلامه ويكون التقدير ثلاث إن أسلمت تعطينيهن وعلى هذا اعتمد المحب الطبري في جواباته للمسائل الواردة عليه وطول في تقريره وقال بعضهم إنما سأله أن يزوجه ابنته الأخرى وهي أختها وخفي عليه تحريم الجمع بين الأختين لقرب عهده بالإسلام فقد خفي ذلك على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وغلط الراوي في اسمها
((وهذه التأويلات في غاية الفساد والبطلان وأئمة الحديث والعلم لا يرضون بأمثالها ولا يصححون أغلاط الرواة بمثل هذه الخيالات الفاسدة والتأويلات الباردة التي يكفي في العلم بفسادها تصورها وتأمل الحديث))
وهذا التأويل الأخير وإن كان في الظاهر أقل فسادا فهو أكذبها وأبطلها وصريح الحديث يرده فإنه قال أم حبيبة أزوجكها قال نعم فلو كان المسؤول تزويج أختها لما أنعم له بذلك صلى الله عليه وسلم فالحديث غلط لا ينبغي التردد فيه والله أعلم ) انتهى.
وقال كذلك في زاد المعاد ج: 1 ص: 109 ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية وقيل اسمها هند تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار وسيقت إليه من هناك وماتت في أيام أخيها معاوية هذا هو المعروف المتواتر عند أهل السير والتواريخ وهو عندهم بمنزلة نكاحه لخديجة بمكة ولحفصة بالمدينة ولصفية بعد خيبر
وأما حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس أن أبا سفيان قال للنبي أسألك ثلاثا فأعطاه إياهن منها وعندي أجمل العرب أم حبيبة أزوجك إياها
فهذا الحديث غلط لا خفاء به قال أبو محمد بن حزم وهو موضوع بلا شك كذبه عكرمة بن عمار وقال ابن الجوزي في هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبدالله بن جحش وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على إسلامها فبعث رسول الله إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها وأصدقها عنه صداقا وذلك في سنة سبع من الهجرة وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت فراش رسول الله حتى لا يجلس عليه ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان وأيضا ففي هذا الحديث أنه قال له وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم ولا يعرف أن النبي أمر أبا سفيان البتة وقد أكثر الناس الكلام في هذا الحديث وتعددت طرقهم في وجهه فمنهم من قال الصحيح أنه تزوجها بعد الفتح لهذا الحديث قال ولا يرد هذا بنقل المؤرخين وهذه الطريقة باطلة عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان وقالت طائفة بل سأله أن يجدد له العقد تطيبا لقلبه فإنه كان قد تزوجها بغير اختياره وهذا باطل لا يظن بالنبي ولا يليق بعقل أبي سفيان ولم يكن من ذلك شيء وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري يحتمل أن تكون هذه المسألة من أبي سفيان وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بالحبشة فلما ورد على هؤلاء ما لا حيلة لهم في دفعه من سؤاله أن يؤمره حتى يقاتل الكفار وأن يتخذ ابنه كاتبا قالوا لعل هاتين المسألتين وقعتا منه بعد الفتح فجمع الراوي ذلك كله في حديث واحد والتعسف والتكلف الشديد الذي في هذا الكلام يغني عن رده
وقالت طائفة للحديث محمل آخر صحيح وهو أن يكون المعنى أرضى أن تكون زوجتك الآن فإني قبل لم أكن راضيا والآن فإني قد رضيت فأسألك أن تكون زوجتك وهذا وأمثاله لو لم يكن قد سودت به الأوراق وصنفت فيه الكتب وحمله الناس لكان الأولى بنا الرغبة عنه لضيق الزمان عن كتابته وسماعه والإشتغال به فإنه من ربد الصدور لا من زبدها وقالت طائفة لما سمع أبو سفيان أن رسول الله طلق نساءه لما آلى منهن أقبل إلى المدينة وقال للنبي ما قال ظنا منه أنه قد طلقها فيمن طلق وهذا من جنس ما قبله وقالت طائفة بل الحديث صحيح ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية أم حبيبة وإنما سأل أن يزوجه أختها رملة ولا يبعد خفاء التحريم للجمع عليه فقد خفي ذلك على ابنته وهي أفقه منه وأعلم حين قالت لرسول الله هل لك في أختي بنت أبي سفيان فقال أفعل ماذا قالت تنكحها قال أو تحبين ذلك قالت لست لك بمخلية وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على النبي فسماها الراوي من عنده أم حبيبة وقيل بل كانت كنيتها أيضا أم حبيبة وهذا الجواب حسن لولا قوله في الحديث فأعطاه رسول الله ما سأل فيقال حينئذ هذه اللفظة وهم من الراوي فإنه أعطاه بعض ما سأل فقال الراوي أعطاه ما سأل أو أطلقها اتكالا على فهم المخاطب أنه أعطاه ما يجوز إعطاؤه مما سأل والله
فائدة قال العلائي في كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة 66-67
11- ومنها ما روى مسلم في أواخر الفضائل من حديث (عكرمة بن عمار)(1) عن سماك الحنفي أبي زميل (2) ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا نبي الله - ثلاث -(3) أعطيتهن؟، قال: نعم. قال : عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتبا، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم " (4) . وهذا أحد الحديثين الذين اعترض - ابن حزم عليهما -، وقال: "ليس في الكتابين شيء دخل الوهم فيه على الشيخين غيرهما، والآخر: حديث شريك بن أبي نمر في قصة المعراج - وقد تقدم -(5) والذي اعترض به على حديث ابن عباس هذا، أنه لا يختلف اثنان من أهل العلم بالأخبار، أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما زوج أم حبيبة - رضي الله عنها - قبل الفتح، وإسلام أبي سفيان، وهي كـانت بأرض الحبشة يومئذ، وأبوها كافر بمكة، والذي زوجها منه النجاشي وأصدقتها عنه، هذا ما لا شك فيه، قال: "والآفة فيه عن عكرمة بن عـمار، وبالغ في ذلك، حتى جعل الحديث موضوعا، ونسب الوضع فيه إلى عكرمة(6) ، وهو خطأ فاحش، فإن أحدا لم ينسب عكرمة إلى الوضع، وقد وافقه جماعة، واحتج به مسلم كثيرا، ولكنه وهم فيه، قال فيه البخاري: "لم يكن له كتاب، فاضطرب في حديثه"(7) ، وقال فيه أحمد بن حنبل: "مضطرب الحديث "(8) . وقد أجاب جماعة(9) عن اعتراض ابن حزم بتأويل قول أبي سفيان: "أزوجكها" على أنه طلب تجديد العقد، فربـما كان يرى عليه غضاضة في تزويج ابنته من غير رضاه، أو توهم أن إسلامه يقتضي تجديد العقد، وخفي ذلك عليه كـما خفي على من هو أقدم إسلاما منه أحكام كثيرة، وأوّلوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له في جوابه: "نعم", على أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة العقد، لأنه لم ينقل تجديد أصلا، ولا ريب بعد هذه التأويلات، لأن ألفاظ الحديث صريحة في إنشاء العقد(10) ، لا في تجديده، وسمعت بعض الحفاظ يذكر أن التي عرضها أبو سفيان ابنته الأخرى، التي عرضتها عليه (أختها)(11) أم حبيبة - رضي الله عنها - في الحديث المشهور في الكتابين ، ويرد على هذا كله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" في جواب ذلك، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقول ذلك فيما لا يفعله، وقد قال لأم حبيبة - رضي الله عنها- لما عرضت أختها عليه: "إن ذلك لا يحل لي"، وأيضا لم ينقل أحد البتة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمّر أبا سفيان على جيش أصلا، فرد الحديث بالوهم أولى من تأويله بالمستكره من الوجوه (12) . والله أعلم.
حواشي المحقق 1) في الأصل :(عن سماك الحنفي، عن أبي زميل), وهو خطأ وسماك هو أبو زميل, وكذلك المصنف لم يلتزم بصيغة الأداء فإنها عند مسلم بالتحديث، وليست بالعنعنة. 2 )في الأصل: "ثلاثا". 3 ) م 4/1945. 4 ) ص، 5 ) جوامع السيرة. 6 ) 11/أ. 7 )هذا القول ليس في التاريخ الكبير ولا الصغير، وذكره الحافظ قال: "وقال البخاري : "مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب" (تهذيب التهذيب 7/262). 8 ) منهم أبو عمرو بن الصلاح. وقد نقل جوابه النووي - رحمه الله - . (شرح مسلم 5/271). 9) كقوله: عندي أحسن العرب وأجمله، فإن المعنى أنها لا زالت في بيته. 10)في الأصل : "أخته" . وهو خطأ. )11 يعني البخاري 6/195. ومسلم 2/1072 ،1073. 12) الذي يظهر لي أن المصنف - رحمه الله - أصاب في ملاحظته، ولا يمنع أن يقع الوهم فيه لعكرمة بن عمار، وليس هناك عصمة لأي كتاب سوى كتاب الله عز وجل.
| |
|
من ال البيت الفقير الى الله
عدد المساهمات : 636 تاريخ التسجيل : 30/03/2009
| موضوع: رد: شبهة تزويج ام حبيبة بعد الهجرة الخميس ديسمبر 24, 2009 6:19 am | |
| وقال الشيخ المعلمي رحمه الله في الأنوار الكاشفة ص 2320
قال(يعني أبو رية أخزاه الله) ص 208 (( وروى مسلم عن أبي سفيان أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أعطني ثلاثاً: تزوج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتباً، وأمرني أن أقاتل الكفار كما قالت المسلمين.. .. )) وأم حبيبة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي[في كتاب أبي رية ((وهو)) بالحبشة..... ))
أقول(المعلمي): لفظ مسلم قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها )) وفي سنده عكرمة ابن عمار بأنه يغلط ويهم، فمن أ هل العلم من تكلم في هذا الحديث وقال انه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله، وأقرب تأويل له أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قبل إسلام أبي سفيان كا بدون رضاه فأراد بقوله (( أزوجكها )) أرضى بالزواج، فأقبل مني هذا الرضا. | |
|
من ال البيت الفقير الى الله
عدد المساهمات : 636 تاريخ التسجيل : 30/03/2009
| موضوع: رد: شبهة تزويج ام حبيبة بعد الهجرة الخميس ديسمبر 24, 2009 7:22 am | |
| وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها: القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم. | |
|
من ال البيت الفقير الى الله
عدد المساهمات : 636 تاريخ التسجيل : 30/03/2009
| موضوع: رد: شبهة تزويج ام حبيبة بعد الهجرة الخميس ديسمبر 24, 2009 7:28 am | |
| الجواب عن هذا النقد : 1- أن هذه الإلزامات من (الدارقطني) (رحمه الله) ليست بلازمة ؛ لأن (البخاري) و (مسلم) لم يلتزما أن يخرجا في صحيحيهما كل حديث صحيح ، ولذلك
قال (البخاري) : لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً ، وما تركت من الصحيح فهو أكثر ، وصرح (مسلم) أنه ليس كل صحيح أخرجه [3] .
2- أن بعض هذه الإلزامات قد أخرج (البخاري) و (مسلم) ما يغني عنها من طرق أخرى عن صحابة آخرين ، وليس معنى هذا أنه لا فائدة من الطرق الأخرى ، بل هي تُقوّي الحديث وتزيده صحة ، ولكن ما ذكره (البخاري) و (مسلم) طريق قوي لا يحتاج إلى طريق يقويه ، وإن جاء طريق يقويه فهو خير إلى خير ، ولكن لا يُعتبر هذا نقداً .
وعلى هذا : لا يلزم (البخاري) و (مسلم) ما ألزمهما (الدارقطني) . الكتاب الثاني : (التتبع) : وانتقد فيه (الدارقطني) من أحاديث الصحيحين مئتي حديث ، مما يرى أن له علة ، وقد بلغت أحاديثه بالعد ثمانية عشر ومئتي حديث [4] .
الجواب عن هذا النقد : أن هذه الاستدراكات من (الدارقطني) هي في الصناعة الحديثية لا في المتون ، وليس معنى هذا أنه لا قيمة للانتقادات في الصناعة الحديثية ، فرب محدث يرحل من أجل سند الحديث الواحد ، والمتن ثابت لديه من طريق آخر [5] . وقد كان منهج (الدارقطني) في التتبع يدور مع القرائن ولا يلتزم طريقاً معيناً ، فأحياناً يرجح بالكثرة ، وأحياناً بالحفظ ، وقد توخى بمسلكه هذا طريق فحول العلماء والنقاد ، مثل : (عبد الرحمن بن مهدي) ، و (يحيى القطان) ، و (أحمد بن حنبل) وأمثالهم [6] .
الثاني : (أبو مسعود الدمشقي) (401هـ) : ذكر (النووي) أن من المنتقدين (أبا مسعود الدمشقي) ، وأن له استدراكاً على الصحيحين ، وقد يكون المقصود بذلك : كتاب (أطراف الصحيحين) له ، وهذا الكتاب لا ندري هل هو مخطوط أم مفقود ، وعلى هذا لا نستطيع الرد عليه ؛ لعدم معرفة ما الذي انتقده (أبو مسعود الدمشقي) على الصحيحين .
الثالث : الحافظ أبو علي الغساني (498هـ) : ألف كتابه (التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قِبَل الرواه) قسم البخاري . وموضوع كتاب (الغساني) (رحمه الله) هو التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيح ، وذلك فيما يخص الأسانيد وأسماء الرواة ، والحمل فيها على الرواة عن (البخاري) ، لا ممن هم فوق (البخاري) أو من (البخاري) نفسه إلا في مواطن قليلة . فيقول (رحمة الله تعالى عليه) : (هذا كتاب يتضمن التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين ، وذلك فيما يخص الأسانيد وأسماء الرواة ، والحمل فيها على نقلة الكتابين عن (البخاري) و (مسلم) (رحمهما الله) وبيان الصواب في ذلك) [7] . ومن خلال قوله (رحمه الله تعالى) فإنه لا يعتبر من المنتقدين كما ذكر ذلك الحافظ (ابن حجر العسقلاني) عن (النووي) ؛ إذ إن الأوهام التي ذكرها ليست من (البخاري) نفسه ولا ممن هو فوقه ، وإنما هي من الرواة عن (البخاري) . وعلى هذا يخرج (أبو علي الغساني) من المنتقدين على الصحيحين . والخلاصة من هذا المبحث : أن الأحاديث الواردة في الصحيحين صحيحة ، لا مطعن فيها ؛ ولذلك نقل (النووي) إجماع العلماء على صحة لأحاديث الواردة في الصحيحين كما في كتابه (تهذيب الأسماء واللغات) . ونقل الإجماع كذلك (سراج الدين البلقيني) ، وكذلك شيخ الإسلام (ابن تيمية).. وغيرهم كثير ، وأما ما انتقد به بعض العلماء على الصحيحين فقد أجاب عليها العلماء كما ذكرنا سابقاً . وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه . ________________________ (1) مكانة الصحيحين ، لإبراهيم ملا خاطر ، ص 301 . (*) هناك دراسات لعدد من الباحثين والدارسين في مناقشة هذه الفئات ، منها : كتاب (أعاصير في وجه السنة) ، للأستاذ (صلاح الدين مقبول) . (2) الإلزامات ، للدارقطني ، ص 116 ، 381 . (3) هدي الساري (مقدمة فتح الباري) ، لابن حجر العسقلاني ، ص 364 . (4) التتبع ، للدارقطني ، ص 382 . (5) المصدر نفسه ، بتحقيق الشيخ مقبل الوادعي . (6) بين الإمامين مسلم والدارقطني ، للدكتور ربيع المدخلي ، ص 30 . (7) التنبيه على الأوهام ، لأبي علي الغساني ، ص 43 | |
|