هذا رد رائع للشيخ المحدث الألباني رحمه الله على حديث تصدق علي بالخاتم
السلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - (ج 10 / ص 580)
4921 - ( نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل المسجد ؛ والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي ؛ فإذا سائل ، قال : يا سائل ! أعطاك أحد شيئاً ؟ فقال : لا ؛ إلا هذا الراكع - لعلي - أعطاني خاتماً ) .
منكر
أخرجه الحاكم في "علوم الحديث" (ص 102) ، وابن عساكر (12/ 153/ 2) من طريق محمد بن يحيى بن الضريس : حدثنا عيسى بن عبد الله ابن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال : حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي قال ... فذكره . وقال الحاكم :
"تفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي" .
قلت : وهو متهم ؛ قال في "الميزان" :
"قال الدارقطني : متروك الحديث . وقال ابن حبان : يروي عن آبائه أشياء موضوعة" . ثم ساق له أحاديث .
(تنبيه) : عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر ... إلخ ؛ هكذا وقع في هذا الإسناد عند المذكورين . والذي في "الميزان" و "اللسان" :
عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر ! فسمى جده : محمداً ، بدل : عبيد الله ؛ ولعله الصواب ؛ فإنه كذلك في "الكامل" (295/ 1) في الترجمة ، وفي بعض الأحاديث التي ساقها تحتها ، وأحدها من طريق محمد بن يحيى بن ضريس : حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد ... ثم قال :
"وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير ، وله غير ما ذكرت ، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه" .
ومما سبق ؛ تعلم أن قول الآلوسي في "روح المعاني" (2/ 329) :
"إسناده متصل" !
مما لا طائل تحته !
واعلم أنه لا يتقوى الحديث بطرق أخرى ساقها السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 293) ؛ لشدة ضعف أكثرها ، وسائرها مراسيل ومعاضيل لا يحتج بها !
منها - على سبيل المثال - : ما أخرجه الواحدي في "أسباب النزول" (ص 148) من طريق محمد بن مروان عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس به ... وفيه قصة لعبد الله بن سلام .
قلت : محمد بن مروان : هو السدي الأصغر ، وهم متهم بالكذب .
ومثله محمد بن السائب ؛ وهو الكلبي .
ومن طريقه : رواه ابن مردويه . وقال الحافظ ابن كثير :
"وهو متروك" .
ومثله : حديث عمار بن ياسر ؛ أورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 17) . وقال :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه من لم أعرفهم" .
وعزاه ابن كثير وغيره لرواية ابن مردويه ؛ فقال الحافظ في "تخريج الكشاف" :
"وفي إسناده خالد بن يزيد العمري ، وهو متروك" .
وأشار إلى ذلك ابن كثير ؛ فإنه قال عقب حديث الكلبي السابق :
"ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه ، وعمار بن ياسر ، وأبي رافع ؛ وليس يصح شيء منها بالكلية ؛ لضعف أسانيدها وجهالة رجالها" .
قلت : ويشهد لذلك أمور :
الأول : أنه ثبت أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت لما تبرأ من يهود بني قينقاع وحلفهم .
أخرجه ابن جرير (6/ 186) بإسنادين عنه ؛ أحدهما حسن .
الثاني : ما أخرجه ابن جرير أيضاً ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 185) عن عبد الملك بن أبي سليمان قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله عز وجل : (إنما وليكم الله ...) الآية ؛ قلنا : من الذين آمنوا ؟ قال : (الذين آمنوا) (ولفظ أبي نعيم : قال : أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -) . قلنا : بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب ؟! قال : علي من الذين آمنوا .
وإسناده صحيح .
قلت : فلو أن الآية نزلت في علي رضي الله عنه خاصة ؛ لكان أولى الناس بمعرفة ذلك أهل بيته وذريته ، فهذا أبو جعفر الباقر رضي الله عنه لا علم عنده بذلك !
وهذا من الأدلة الكثيرة على أن الشيعة يلصقون بأئمتهم ما لا علم عندهم به !
الثالث : أن معنى قوله تعالى في آخر الآية : (وهو راكعون) ؛ أي : خاضعون . قال العلامة ابن حيان الغرناطي في تفسيره : "البحر المحيط" (3/ 514) - عقب الآية - :
"هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق ؛ لأن المنافق لا يداوم على الصلاة ، ولا على الزكاة ، قال تعالى : (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) ، وقال تعالى : (أشحة على الخير) . ولما كانت الصحابة وقت نزول هذه الآية من مقيمي الصلاة ومؤتي الزكاة ، وفي كلتا الحالتين كانوا متصفين بالخضوع لله تعالى والتذلل له ؛ نزلت الآية بهذه الأوصاف الجليلة . والركوع هنا ظاهره الخضوع ، لا الهيئة التي في الصلاة" .
قلت : ويؤيده قول الحافظ ابن كثير :
"وأما قوله : (وهم راكعون) ؛ فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله : (ويؤتون الزكاة) ؛ أي : في حال ركوعهم ! ولو كان هذا كذلك ؛ لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ؛ لأنه ممدوح ! وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى" .
(تنبيه) : قال الشيعي في كتابه (ص : 36) :
"أجمع المفسرون - كما اعترف به القوشجي ، وهو من أئمة الأشاعرة - على أن هذه الآية إنما نزلت على علي حين تصدق راكعاً في الصلاة . وأخرج النسائي في "صحيحه" (!) نزولها في علي : عن عبد الله بن سلام .
وأخرج نزولها فيه أيضاً صاحب "الجمع بين الصحاح الستة" في تفسيره سورة المائدة" !!
قلت : في هذا الكلام - على صغره - أكاذيب :
أولاً : قوله : "أجمع المفسرون ..." باطل ؛ سواء كان القائل من عزا إليه الاعتراف به أو غيره ! كيف وقد سبق أن الأرجح - من حيث الرواية - نزولها في عبادة بن الصامت ؟! وهناك أقوال أخرى حكاها المحقق الآلوسي (2/ 330) راداً بها الإجماع المزعوم .
وكيف يصح ذلك وقد حكى الخلاف إمام المفسرين ابن جرير الطبري ؟! ورجح خلافه ابن حيان وابن كثير كما تقدم ؟!
ثانياً : قوله : "وأخرج النسائي ..." إلخ ! كذب أيضاً ؛ فإنه لم يخرجه النسائي في أي كتاب من كتبه المعروفة ، لا في "سننه الصغرى" ، ولا في "سننه الكبرى" ، ولا في "الخصائص" ، وكيف يمكن أن يكون هذا العزو صحيحاً ، ولم يعزه إليه الذين ساقوا روايات هذا الحديث وخرجوها وعزوها إلى مصادرها المعروفة من كتب السنة ، كالحافظين ابن كثير والسيوطي وغيرهما ؟!
زد على ذلك أن الحافظ المزي لم يورد الحديث مطلقاً في مسند عبد الله بن سلام من "أطرافه" ؛ وهو يعتمد فيه على "السنن الكبرى" للنسائي !
ولا النابلسي في "ذخائره" . واعتماده فيه على "السنن الصغرى" !
وأما "الخصائص" ؛ فقد راجعته بنفسي !
ثالثاً : قوله : "في صحيحه" !! من أكاذيبه المكشوفة ؛ فإن المبتدئين في هذا العلم الشريف يعلمون أن النسائي ليس له كتاب يعرف بـ "الصحيح" ، وغالب الظن أن الشيعة يستحلون هذا الكذب من باب (التقية) ، أو باب (الغاية تبرر الوسيلة) ! وقد أدخلهم في إباحة الكذب المكشوف ؛ لتضليل عامة القراء ، وذلك مطرد عنده ؛ فقد رأيته قال في ترجمة علي بن المنذر (ص 98) :
"احتج النسائي بحديثه في (الصحيح)" !
وطرد ذلك في سائر "السنن الأربعة" ؛ تارة جمعاً ، وتارة إفراداً ، فهو يقول (ص 50) :
"وتلك صحاحهم الستة" !
ونحوه في (ص 54) .
وذكر أبا داود والترمذي ؛ وقال :
"في (صحيحيهما)" ! (ص 55،57،95،116) .
وذكر النسائي وأبا داود ؛ وقال :
"فراجع (صحيحيهما)" ! (ص 59) .
ويقول في ترمة نفيع بن الحارث (ص 111) : "واحتج به الترمذي في (صحيحه)" !
قلت : وفي هذا افتراء آخر ؛ وهو قوله :
"احتج به الترمذي" ! فهذا كذب عليه ؛ كيف وهو القائل فيه :
"يضعف في الحديث" ؛ كما في "التهذيب" ؟! وفيه أن ابن عبد البر قال :
"أجمعوا على ضعفه ، وكذبه بعضهم ، وأجمعوا على ترك الرواية عنه" !
وإن إطلاقه اسم "الصحيح" على كل من "السنن الأربعة" ليهون أمام إطلاقه هذا الاسم على "سنن البيهقي" ! فراجع التنبيه على ذلك تحت الحديث (4903) ! واحمد الله أن جعلك سنياً لا تستحل الكذب على المخالفين والتدجيل عليهم !
رابعاً : قوله : "وأخرج نزولها فيه أيضاً صاحب "الجمع بين الصحاح الستة" ..." !
قلت : يعني به : كتاب ابن الأثير المسمى بـ "جامع الأصول" ! وهذا كذب عليه ؛ فإنه لم يخرجه هناك ، ولا في غيره من المواطن ، وكيف يخرجه والحديث ليس من شرطه ؟! لأنه لم يروه أحد الستة الذين جمع أحاديثهم في كتابه ، وهم : مالك ، والشيخان ، وأصحاب "السنن الأربعة" ؛ حاشا ابن ماجه !
ثم رأيته كرر أكاذيبه المذكورة : في الصفحة (160) من "مراجعاته" !
وللحديث طريق أخرى ساقطة ، يأتي لفظها مطولاً برقم (4958) .
ثم رأيت ابن المطهر الحلي قد سبق عبد الحسين في فريته ، فهو إمامه فيها ، وفي كثير من فراه كما يأتي ؛ فقد قال في كتابه "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة" (ص 74 - تحقيق الدكتور محمود رشاد سالم) - وقد ذكر هذه الآية : (.. وهم راكعون) - : "وقد أجمعوا على أنها نزلت في علي عليه السلام ..." !!
ثم ساق الحديث مطولاً بلفظ آخر أنكر من حديث الترجمة ، ذكره من رواية الثعلبي عن أبي ذر ! وتبعه الخميني (ص 158) ! وسيأتي برقم (4958) .
وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية استدلاله هذا من وجوه كثيرة ؛ بلغت تسعة عشر وجهاً ، يهمنا هنا الوجه الثاني منها ، قال رحمه الله (4/ 4) - وأقره الحافظ الذهبي في "المنتقى منه" (ص 419) - :
"قوله : "قد أجمعوا أنها نزلت في علي" : من أعظم الدعاوى الكاذبة ، بل أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأن الحديث من الكذب الموضوع ، وأن "تفسير الثعلبي" فيه طائفة من الموضوعات ؛ وكان حاطب ليل ، وفيه خير ودين ولكن لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث . ثم نعفيك من دعوى الإجماع ونطالبك بسند واحد صحيح . وما أوردته عن الثعلبي واه ، فيه رجال متهمون ..." .
ثم ذكر شيخ الإسلام أن في الآية ما يدل على كذب هذه الرواية ؛ فقال :
"لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة في حالة الركوع ؛ لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة ، وأن لا يتولى المسلم إلا علياً فقط ، فلا يتولى الحسن والحسين ! ثم قوله : (الذين يقيمون ...) صيغة جمع ، فلا تصدق على واحد فرد . وأيضاً فلا يثنى على المرء إلا بمحمود ، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب ، ولو كان مستحباً ؛ لفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولخص عليه ولكرر علي فعله ، وإن في الصلاة لشغلاً ، فكيف يقال : لا ولي لكم إلا الذين يتصدقون في حال الركوع ؟! ..." إلخ كلامه .
وهو هام جداً ، فيه من علم الشيخ ما لا يوجد عند غيره ، ولولا الإطالة والخروج عن الصدد ؛ لنقلته بحذافيره ؛ أو على الأقل ملخصاً .
وإن من تضليلات عبد الحسين وإتهاماته القراء : أنه - بعد أن ادعى ذاك الإجماع الكاذب - أتبعه بقوله :
"... كما اعترف به القوشجي ؛ وهو من أئمة الأشاعرة" !
فمن هذا القوشجي ؟ وفي أي عصر كان ؟
إذا رجعت إلى كتاب "الأعلام" للزركلي ؛ وجدت فيه : أن وفاته كانت سن (879) ، وأنه فلكي رياضي ، من فقهاء الحنفية ... ! وذكر مصادره فيها ، وهي سبعة .
فما قيمة هذا الاعتراف من مثل هذا الفقيه - إن صح نقل عبد الحسين عنه - ؛ وهو لم يوصف بأنه من العارفين بأقوال العلماء ، واختلافهم وإجماعهم ، ثم هو في القرن التاسع الهجري ؟!
هذا ؛ وكونه حنفياً ؛ يعني أنه ما تريدي ، وليس أشعرياً كما زعم عبد الحسين ! فهل كان قوله : "من أئمة الأشاعرة" ؛ لغاية في نفس يعقوب ؟ أم ذلك مبلغه من العلم ؟!
وزاد الخميني كذبة أخرى لها قرون ! ؛ فقال بين يدي حديث أبي ذر الباطل :
"وقد جاء في أربعة وعشرين حديثاً - من أحاديث أهل السنة - بأن هذه الآية في علي بن أبي طالب ، ننقل هنا واحدة من تلك الأحاديث التي ذكرها أهل السنة" !!
ثم ذكر حديث أبي ذر المشار إليه آنفاً ، وقد علمت - من كلام ابن تيمية والذهبي - أنه من الكذب الموضوع ؛ فقس عليها تلك الأحاديث الأخرى ؛ إن كان لها وجود !.