الإخلاص لغةً: النجاة ، و المخلص الذي وّحد الله تعالى خالصاً ، و قيل : الخالص الذي زال عنه شوبه الذي كان فيه فصار صافياً و يأتي بمعنى الاختصاص. قال ابن منظور : أخلص دينه لله أي أمحضه . و سُميت سورة الإخلاص بهذا الاسم لأنها خالصة في صفة الله تعالى و يكون من عمل بها قد أخلص التوحيد لله عز و جل ، و كلمة الإخلاص هي كلمة التوحيد .
تنوعت عبارتهم في الإخلاص و القصد واحد.
أبو القاسم القشيري: الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة ، و هو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله دون شىء آخر من تصنع لمخلوق ، و اكتساب محمدة عند الناس ، أو محبة مدح من الخلق ، أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله سبحانه و تعالى .
أبو القاسم القشيري: الإخلاص تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين .
قيل: الإخلاص التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك و ( الصدق) هو التنقي من مطالعة النفس ، فالمخلص لا رياء له ، و الصادق لا إعجاب له ، و لا يتم الإخلاص إلا بالصدق ، و لا الصدق إلا بالإخلاص ، و لا يتمان إلا بالصبر .
قيل : من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص ؛ فنقصان كل مخلص في إخلاصه بقدر رؤية إخلاصه ، فإذا سقط عن نفسه رؤية الإخلاص صار مخلِصاً مخلَصاً .
قيل : الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر و الباطن ، و الرياء أن يكون ظاهره خيراً من باطنه ، و الصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره .
قيل : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ، و من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله .
من كلام الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء ، و العمل من أجل الناس شرك ، و الإخلاص أن يعافيك الله منهما .
الجنيد : الإخلاص سر بين الله و العبد ، لا يعلمه ملك فيكتبه و لا شيطان فيفسده و لا هوى فيميله .
قيل لسهل : أي شىء أشد على النفس ؟ فقال : الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب .
قال بعضهم : الإخلاص ألاّ تطلب على عملك شاهداً إلا الله ، و لا مجازياً سواه .
قال صاحب المنازل : " الإخلاص : تصفية العمل من كل شوب " أي لا يمازج العمل ما يشوبه من شوائب إرادات النفس : إما طلب التزين في قلوب الخلق ، و إما طلب مدحهم ، و الهرب من ذمهم ، أو طلب تعظيمهم ، أو طلب أموالهم ، أو خدمتهم و محبتهم ، و قضائهم حوائجه ، أو غيرذلك من العلل و الشوائب التي عقد متفرقاتها هو إرادة سوى الله بعمله كائناً من كان .
الإخلاص عدم انقسام المطلوب ، و الصدق عدم انقسام الطلب ؛ فحقيقة الإخلاص توحيد المطلوب ، و حقيقة الصدق توحيد الطلب و الإرادة ، و لا يثمران إلا بالاستسلام المحض للمتابعة ، فإن عَدِم الإخلاص و المتابعة انعكس سيره إلى خلف ، و إن لم يبذل جهده و يوحد طلبه سار سير المقيد ، و إن اجتمعت له الثلاثة فذلك الذي لا يُجارى في مضمار سيره و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم .
قال محمد بن سهل التستري: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركاته و سكناته في سره و علانيته لله تعالى وحده .
إبراهيم بن أدهم : الإخلاص صدق النية مع الله .
سهل : الإخلاص أن يكون سكون العبد و حركاته لله خاصة . ( علّق الغزالي : و هذه كلمة جامعة محيطة بالغرض)
آخر : الإخلاص ما استتر عن الخلائق و صفا عن العلائق .
الإخلاص دوام المراقبة و نسيان الحظوظ كلها .
يعقوب المكفوف : المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته .
قال الحواريون لعيسى بن مريم : ما الإخلاص لله ؟ قال : الذي يعمل العمل لا يحب أن يحمده عليه أحد من الناس .
الإمام البنا : الإخلاص هو قصد المسلم بقوله و عمله و جهاده كله وجه الله و ابتغاء مرضاته و حسن مثوبته ، من غير نظر إلى مغنم أو منفعة أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر ليكون المخلص جندي فكرة و عقيدة لا جندي غرض أو منفعة ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ) أخلص العمل لله أي صفّاه من كل شائبة حسيةً كانت أو معنوية ، و بذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم ( الله غايتنا) و ( الله أكبر و لله الحمد ) .
الإخلاص تصفية العمل من كل شوب .
الإخلاص التبري من كل ما دون الله .
قال الغزالي : الإخلاص هو أن تكون أعمالك كلها لله تعالى و لا يرتاح قلبك بمحامد الناس و لا يبالي بمذامهم .
الإخلاص في الطاعة ترك الرياء. حقيقة الإخلاص هي : أن يريد العبد الله تعالى بقوله و عمله و سائر تصرفاته و توجيهاته و تعليمه وحده لا شريك له و لا رب سواه .
قال الحارث المحاسبي : الإخلاص أن تريد الله بالطاعة و لا تريد سواه . < الأربعين النووية >
إخلاص النية هو : إخلاص العبادة و العمل لله .
قال ابن تيمية: حد الإخلاص كقول بعضهم: المخلِص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز و جل ، و لا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله .
أبو عثمان المغربي : الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال .
ذو النون المصري : الإخلاص لا يتم إلا بالصدق فيه و الصبر عليه .
حافظ حكمي : الإخلاص أن يكون مراد العبد بجميع أقواله و أعماله الظاهرة و الباطنة ابتغاء وجه الله تعالى .
في فتح الباري لابن حجر في شرح حديث الغار ( وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده بسؤاله . واستنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذكر ذلك في الاستسقاء، واستشكله المحب الطبري لما فيه من رؤية العمل، والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى لأنه مقام التضرع، وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لم يستشفعوا بأعمالهم وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة وقبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم، فتضمن جوابه تسليم السؤال لكن بهذا القيد وهو حسن، وقد تعرض النووي لهذا فقال في كتاب الأذكار " باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله " وذكر هذا الحديث، ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء ثم قال: وقد يقال إن فيه نوعا من ترك الافتقار المطلق، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم بفعلهم فدل على تصويب فعلهم. وقال السبكي الكبير: ظهر لي أن الضرورة قد تلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا وأن هذا منه، ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية لقول كل منهم " إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك " فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص بل أحال أمره إلى الله ، فإذا لم يجزموا بالإخلاص فيه مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولى ، فيستفاد منه أن الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه ويسيء الظن بها ويبحث على كل واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه فيفوض أمره إلى الله ويعلق الدعاء على علم الله به، فحينئذ يكون إذا دعا راجيا للإجابة خائفا من الرد فإن لم يغلب على ظنه إخلاصه ولو في عمل واحد فليقف عند حده ويستحي أن يسأل بعمل ليس بخالص، قال وإنما قالوا: " ادعوا الله بصالح أعمالكم " في أول الأمر ثم عند الدعاء لم يطلقوا ذلك ولا قال واحد منهم أدعوك بعملي، وإنما قال: " إن كنت تعلم، ثم ذكر عمله انتهى ملخصا. وكأنه لم يقف على كلام المحب الطبري الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكره، والله أعلم )
درجات الإخلاص :
الدرجة الأولى : أن يتم عمل المخلص دون أن ينظر إليه أو يلاحظه أو يطلب العوض عليه ، أو أن يرضى عنه أو يسكن إليه .
الدرجة الثانية : أن يخجل من عمله الذي أخلص فيه و أن يخفيه عن أعين الناس و أن يعتبر أن إخلاصه في عمله كرم من الله تعالى و تفضل على المخلصين .
الدرجة الثالثة : أن يخلص العامل في عمله بالخلاص من العمل تدعه يسير سير العلم و تسير أنت مشاهداً للحكم حراً من رقّ الرسم ، استجابة لما أمر الله به و لما نهى عنه .
< للتفصيل في هذه الدرجات يُراجع كتاب مدارج السالكين لابن القيم الجوزية . تحقيق محمد حامد الفقي الجزء 2 دار الكتاب العربي بيروت طبعة 2>
يرجع أحد معاني الصدق إلى خلوص النية و هو الإخلاص ، فكل صادق لا بد من أن يكون مخلصاً .
الإخلاص يعني أن يتوجه بالأعمال القلبية لله وحده ، كما يتوجه بلأعمال الظاهرة ، و الإخلاص هو الدين الذي بعث الله به الرسل جميعاً ، فكان محور دعوتهم و لبّها ، و هو الدين الذي طالبت به الرسل الأمم الت أرسلت إليها ( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) .
قال الراغب في المفردات : الإخلاص التعري عما دون الله .
قال العز بن عبدالسلام : الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده لا يريد بها تعظيماً من الناس و لا توقيراً و لا جلب نفع دنيوي و لا دفع ضرر دنيوي .
قال الحارث المحاسبي : الإخلاص إخراج الخلق عن معاملة الرب .
العلاقة بين المعنى اللغوي و الصطلاحي : الإخلاص يهدف إلى تخليص القصد المتوجه إلى الله تعالى من الأوشاب و الأخلاط و الفساد الذي يزاحمه و يخالطه ، بحيث يتصفى القصد لله عز و جل دون سواه في جميع العبادات .
الصدق في الإخلاص من أشق الأمور على النفوس . قال سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشد علىّ من نيتي إنها تتقلب علىّ ، و من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، و قال أويس القرني : و إذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك و نيتك ، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما .
علامات دالة على الإخلاص :
استواء المدح و الذم من العامة إلا إذا الذم بحق - اقتضاء ثواب العمل في الآخرة - صدق النية و الإرادة و مراقبة الله تعالى عند كل عمل - استصحاب معية الله و التوكل عليه - الصدق مع الله قولاً و عملاً - التحلي بالأخلاق الفاضلة و منها التواضع لعباد الله و قبول الحق من أي كائن كان و حسن الظن بالمسلمين و اتهام النفس أولاً و إشغال النفس بعيوبها عن عيوب المسلمين - الوقوف عند الحلال و الحرام و اتقاء المتشابه - التدقيق في اختيار الصديق - تفقد القلب و محاسبة النفس - البعد عن الغفلة - الحرص على إخفاء الطاعات و البعد عن مواطن المدح - عدم انتظار الشكر من أي أحد على أي عمل صالح .
تحقيق الإخلاص :
الصدق في الإخلاص من أشق الأمور على النفوس ، و تخليص النيات على العمال أشد من جميع الأعمال كما قال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد . قال سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشد علىّ من نيتي إنها تتقلب علىّ ، و من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، و قال أويس القرني : و إذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك و نيتك ، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما . قيل لسهل : أي شىء أشد على النفس ؟ فقال : الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب . قال ابن الجوزي: ما أقل من يعمل لله خالصاً لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم . قال الشاعر: يهوى الثناء مبرز و مسمع ------------ حب الثناء طبيعة الإنسان
قال الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - : ( الإخلاص في طلب العلم يكون بأن تنوي ما يلي:امتثال أمر الله عز و جل و رجاء ثوابه - رفع الجهل عن نفسك و عن غيرك - حفظ الشريعة - حماية الشريعة و الدفاع عنها )
عوائق الإخلاص :
الشهوات : حب الثناء و المدح وحسن ظن الناس و الترويح مع الإخوان و السمعة و الرياء - النفس الأمارة بالسوء - الشبهات - الفتن و الدنيا
الرياء: قال الشيخ ناصر العقل -و في درس صوتي - : ( حصر الشرك الخفي في الرياء لا دليل عليه ) .
۩۞۩ حصري :: درس الشيخ السكري حفظه الله / الاخلاص لله ۩۞۩